• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

تقدمة فضيلة الشيخ عبدالرحمن الباني لكتاب "الدراسات النفسية عند الإمام ابن تيمية"

تقدمة فضيلة الشيخ عبدالرحمن الباني لكتاب "الدراسات النفسية عند الإمام ابن تيمية"
د. فهمي قطب الدين النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/12/2013 ميلادي - 30/1/1435 هجري

الزيارات: 6777

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تقدمة فضيلة الشيخ عبدالرحمن الباني

لكتاب "الدراسات النفسية عند الإمام ابن تيمية"

وهو دراسة علمية موثقة لمفهوم العقل عند شيخ الإسلام

ابن تيمية وعلاقته بالإنسان

ماديًّا ومعرفيًّا وأخلاقيًّا

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:

فإن لهذا الكتاب قصةً وقضيةً، أُوجِزُ الكلام فيهما مستأذنًا قارئنا الكريم، فعسى أن يكون ذلك عونًا على وضع الكتاب في موضعه من فكرِنا المعاصر، وهمومنا الثقافية.


فنحن - المسلمين - قد كان لنا سبقٌ بعيد، وتاريخ مجيد، وإنجازات رائعة في مجال الفكر والمعرفة على اختلاف صنوفها وتعدُّد أنواعها.


وكان ذلك بفضل الله والإسلام والقرآن الذي كانت أوَّل كلمة أنزلها اللهُ فيه على نبيه الأميِّ (اقرأ)، وتردَّد في القرآن أمر الدعوة إلى إعمال الفكر: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46]، وتكرَّر الأمر بالنظر في عالَم النَّفْس وعالم الآفاق، في الأرض وفي الأنفس؛ قال -تعالى-: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20، 21]؛ أي: وفي أنفسكم آيات، فانظروا في هذه وتلك، فالله يدعونا إلى النظر في آياته في الأرض وآياته في أنفسنا.


فانطلَق الفكرُ المسلم في هذه العوالِم كلِّها، وهدى اللهُ الذين آمنوا واستجابوا لدعوة ربهم، فانكشف لهم عالَمٌ من الحقائق، وابتكروا وأبدعوا في كل مَيْدان.


وتفصيل هذه الإنجازات والمكتشفات والمبتكرات يحتاج إلى مجلَّدات[1].


لكنَّ المسلمين - فيما بعدُ - تخلَّوا عن مستوى العمل بالإسلام الذي كان عليه أسلافهم، وشمل التقصير الحاكمَ والمحكوم على السَّواء، ومما يحدِّثنا به التاريخ أن أبا الطيِّب المتنبي (ت 354هـ) اشترط أن ينشد قصائده في مدح مَن يمدحهم من الحكام وهو قاعد لا قائم، ورفض أن يقبِّل الأرضَ بين يدي إنشاده!!


هذا خبر صغير، ولكن له دلالات عظيمة وكثيرة، فالحاكم مسلم لشعب مسلم في قُطْر مسلم، وشاعره مسلم يرفض هذا، هذا الأمر النُّكْر، وخالقنا الذي إليه مصيرنا طلب منا وفرض علينا أن نسجد له ولم يطلب منا أن نقبِّل الأرض، فلننظر كيف تحوَّل المسلم الذي حرَّره الإسلام من كلِّ عبودية، وحرَّم عليه أن يستعبد إخوانه، فصار يفرض على أخيه في الإنسانية، وأخيه في الإسلام أن ينشد قائمًا لا قاعدًا، وأن يقبِّلَ بساطَه بين يدي إنشاده؟!


والذي يعنينا هنا أن المسلمين لما قصَّروا في العمل بالإسلام عن المستوى المطلوب ضعُف شأنهم في كل مَيْدان، وناموا على علومهم، وكانت الأسباب قد تهيَّأت ليستيقظ الأوروبيون، ولم تكن تلك اليقظة أو النهضة إلا بعوامل إسلامية في الغالب؛ فمنها الوجود الإسلامي في طرف أوروبا الغربي (الأندلس) مدة ثمانية قرون[2]، وكان هذا الوجود أشبهَ بمصباحٍ قويٍّ على أوروبا الغارقة في نومها وجهلها وظلامها، ومن هذه الأسباب أو العوامل المولِّدة للنهضة الأوروبية الاحتكاكُ الذي استمرَّ قرنين (مائتي عام من الزمان)؛ أعني: مدة الحروب الصليبية، ثم الحكم الإسلامي في صقلية، وفي مالطة وغيرها، وقد كان البحر الأبيض المتوسط أشبهَ ببحيرة إسلامية، ثم التجوُّل الموَّار للتاجر المسلم في أركان المعمورة - ومنها أوروبا - فقد وُجِدت نقودٌ إسلامية على سواحل بحر البلطيق، فهذه دلالة من الدلالات على وصول التجَّار المسلمين إلى تلك المناطق النائية، والتاجر المسلم - كما نعلم - داعيةٌ إلى الإسلام بحكم روحه العالية، ومعاملته الراقية، وسلوكه المستقيم، فكانت هذه العوامل الإسلامية محرِّكةً للإنسان الأوروبي حتى أيقظَتْه من سُباته.


وبهذه المناسبة نذكر من المراجع المنصفة الموضِّحة لأثر الإسلام في الحضارة الأوروبية، بل الحضارة العالمية، نذكر (كتاب شمس الله على أرض الظلمات)؛ للباحثة الألمانية زيغريدهونكه (ت 1420هـ)، هذه هي الترجمة الصحيحة لاسم الكتاب كما أرادته مؤلِّفته، ولكن صدرت لهذا الكتاب ترجمتان؛ إحداهما دخل فيها اللوث القومي! فزُوِّر اسم الكتاب فأصبح: (شمس العرب تسطع على الغرب)!


فلما استيقظ الأوروبيُّون وجَدوا أنفسهم خالِينَ من ألوان العلوم والفنون التي يحتاجون إليها، فأخذوا ما لدى المسلمين من ألوان المعرفة وتطبيقاتها.


ثم جاء الوقت ليبدأ المسلمون نهضتَهم بعواملَ أهمُّها وبدايتها النداء الصارخ بالعودة إلى الإسلام الخالص والتوحيد الصافي، على جهود الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب (ت 1206هـ) ومؤازرة الإمام محمد بن سعود (1179هـ)، ووجد المسلمون أنفسهم في أقطارهم كافة - وفي طليعتِها مصر - نعم وجَد المسلمون أنفسهم خالين من العلوم وتطبيقاتها وَفْق ما يحتاجه العصر، فأقبلوا ينقلون ممَّا عند الأوروبيِّين من العلم والمعرفة على اختلاف أنواعها وأصنافها، بعد أن تقدَّمت تقدُّمًا خطيرًا وبلغت شأوًا بعيدًا.


ولكن هنا وقفة لا بدَّ منها، وتكاد تكون هي بيتَ القصيد؛ فالعلوم في هذه المرَّة عليها بصمات الفكر الأوروبي الذي اصطنع بالعَلْمانية والاتجاه العَلْماني.


قد كانت العلوم عند المسلمين تسبيحًا بحمد الله، وتسخيرًا لنِعَم الله، وكشفًا عن سنن الله، واستجابة لأمر الله، وتعميقًا للإيمان بمعرفة الآيات الدالَّة على الله وأسمائه الحسنى.


ولكن العلم ببصمات الفكر الأوروبي خرج عن مساره الطبيعي الصحيح - أعني الإيماني - فأصبح مبتورًا عن خالق الكون وخالق الإنسان والحياة، أصبح علمانيًّا كما أشرتُ.


يقول الأستاذ محمد المبارك (ت 1402هـ)، في تلخيص حالة الفكر الأوروبي: "ونستطيع أن نلخِّص هذه (الخلفية العقائدية) المشتركة بين فروع المعرفة والثقافة الغربية بقولنا: الوجود كلُّه منحصِرٌ في الإنسان والطبيعة، وهو [الإنسان] جزء منها ونوع من أنواعها، والطبيعة وُجدت هكذا بنفسها، وكذلك سُنَنها أو قوانينها، فهي مقدَّرة بنفسها من غير مقدِّر لها، والعقل وحده طريق معرفة الحقائق [كافَّةً]، وليس ثمة طريق آخر.


وليست المُثُل الأخلاقية والقيم والمفاهيم الحقوقية إلا وقائع أو حوادث - كالحوادث الطبيعية - نشأت وتطورت، فهي ليست ثابتة.


والإنسان نفسه إنما هو حيوان اجتماعي مفكِّر فحسب، وليست النفس الإنسانية إلا مجموعة من الغرائز.


هذه هي جذور هذه العقائد الغربية، سواء عند العقلانيين Rationalistes أم عند الماديين Materialistes.


ليس في هذه الفلسفة أو الأساس الاعتقادي أو التصوُّر الوجودي مكانٌ للإلهِ وصِلَته بالكون ونظامه السببي وبالإنسان، ولا للوحي والنبوات، ولا للجزاء والحياة الخالدة، ولا للمُثل العليا الأخلاقية، ولا سيما ما كان مصدره الدِّين، ولا لسائر الغيبيات (ما وراء الطبيعة)"[3].


وقد بلغ الأمر أن أصدر أحدُ دعاةِ التغريب كتابًا بعنوان: (خرافة الميتافيزيقا)!


وهذه العلمانية التي أشرنا إليها قضيَّتها بالغةُ الخطر علينا وعلى الإنسانية جمعاء، ولكن لا يتَّسِع المجال هنا للحديث عنها وتفصيل القول فيها[4]؛ ولذا نكتفي بكُلَيْمات ضرورية بشأنها:

1- فأوَّل ذلك أن هذه التسمية (أعني العلمانية) تسمية مضلِّلة - كما يقول الأستاذ محمد قطب حفظه الله - وهي في مضمونها لا عَلاقة لها بكلمة (العِلْم) من قريب ولا من بعيد، وأحْرِ بها أن تكون (العالَمانية)؛ أي: إنها تتَّصِل بهذا (العالَم) الدنيوي الأرضي، وفي الموسوعة البريطانية - مثلاً - تعريفٌ علمي دقيق لها، تقول الموسوعة: "العلمانية: حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدَها"[5].


2- ولسقوط الفكر الغربي في حَمْأَة العلمانية أسباب؛ منها:

• موقف رجال الكهنوت في أوروبا من الحركة العلمية المنهجية التي كان طلائعها أولئك الرعيل الأول الذين تأثَّروا بالعلوم الكونية التي أخذوها عن المسلمين؛ فقد كان رجال الكنيسة في أوروبا هم الذين يدَّعُون العلم ويسيطرون على الفكر، وكانت الفلسفة الأرسطية - على ما وصلت إليهم من ضحالة وتحريف - هي المرجعَ في كل أمر علمي، أما المتأثِّرون بالعلوم الكونية عند المسلمين، فنادَوا بالتجريب والمنهج التجريبي، فثارت ثائرةُ رجال الكنيسة، وكأنهم شعَروا أن (البساط) يُسحَب من تحت أرجلهم - كما يقال - وأن السلطة التي يهيمنون بها على الناس في كل ميادين الحياة أصبحت مهدَّدة بالزوال، فأعلنوا الحرب الضارية على هذا النفر وسقطت ضحايا، فـ: (جيؤوردانوا برونو) (ت 1009هـ) مثلاً، حكمت عليه الكنيسة بـ (أن يُعدم دون أن تُراق نقطة من دمه)، وكان معنى هذا أن يُحرق، وبالفعل صُلِب على سارية في مدينة روما، وأشعلت فيه النيران! ليكون عبرة لمَن تُسوِّل له نفسه أن يسير في هذا الاتجاه.


وغاليله (ت 1052هـ) حُكم عليه أيضًا بالإعدام، ثم خُفِّف الحكم عليه إلى السجن المؤبَّد، رحمةً بشيخوخته!


ثم إن الدين النصراني "المغيَّر المبدَّل الذي نُسب إلى المسيح زورًا وبهتانًا، والمسيح عليه السلام - كما قال ويلز (ت 1365م) - لا يعرف عنه شيئًا"[6]، أصبح لا تقبلُه العقول مع فرضه بالقوة والسلطة على الناس!


• وفساد رجال الكهنوت الأخلاقي من جهة، وغلو الرهبانية في محاربة النزعة الفطرية من جهة أخرى[7]، ومؤازرة رجال الكهنوت للطغاة الذين كانوا يحكمون أوروبا بالظلم والعسف والقهر، واستغلال اليهود لهذه الأحوال في إبعاد الناس عن الدين - كلُّ أولئك ولَّد وأيَّد هذه النزعة العلمانية (العمل لهذه الدنيا واستدبار الاتجاه الديني أيًّا كان، وجعل أمور الآخرة وراء الظهور)!


3- قد كان رفضُ الدين أيًّا كان مصيبةً، بل كارثة فكرية عالمية، وقد استَشْرَتْ وانتشرت حتى أطبقت على الأرض بكلِّ مَن فيها، وأصابتنا - نحن المسلمين - عَدْواها، فقد دخلت علينا عن طريق الاقتباس من العلوم التي أخذناها عن الغرب، وعليها بصمات الفكر الأوروبي الذي انتهى إلى العلمانية، أخذناها دون مراجعة أو تأصيل أو إزالة الانحراف العلماني عنها، ودون العودة بها إلى وضعها الطبيعي الصحيح وهو الاتجاه الإيماني.


هذا مع وجود الفارق البيِّن بيننا وبين الأوروبيين، وكون حال العلم عندنا على عكس حال العلم عندهم؛ فالعلم عندنا - كما أشرنا - وليدُ دينِنا، وهو استجابة لأمر الله بالنظر في الكون، وتسخير ما أنعم الله به على الإنسان وَفْق شرعه المطهَّر، والعلم عند الأوروبيين وُجد برغم دينهم، ومعارضًا لدينهم الذي كانوا عليه، وهم إذا كان لهم عذر فيما انتهوا إليه، فما عذرنا نحن المسلمين في سلوك مسلكهم، وتقليدنا لهم ذلك التقليد الأعمى الذي يذكر بأقصوصة[8] فيها عبرة.


4- فالموقف الفكري الآن يقتضي ردَّ الفكر والمعرفة بالعلوم إلى وضعها الطبيعي الإسلامي الإيماني، وعلم النفس أحد هذه العلوم.


والدكتور فهمي النَّجَّار - من جهته، وفي نطاق علم النفس - يباشر السير في هذا الطريق المحتَّم، ويرى: "أن جامعاتنا الإسلامية ما زالت حتى الآن تدرِّس علم النفس وَفْق التصور الغربي له، وسببُ ذلك يرجع أولاً إلى تلاميذ علماء النفس الغربيين الذين وضعوا مناهج هذه العلوم في الجامعات الإسلامية.


وسبب آخر مهمٌّ في هذا المجال هو خلوُّ الساحة العلمية من الدراسات النفسية النابعة من التصور الإسلامي الصحيح...".


ويرى "أن دراسة ما خلفه علماء الإسلام في مجال الدراسات النفسية الخطوة الأولى على طريق التأصيل المطلوب..."[9].


وهناك رأيٌ آخر أو اجتهاد آخر يقول: إن هذه الخُطوة - على أهميتها وجَدْواها - ليست هي الخُطوة الأولى، فالخطوة الأولى - وهي الأساس - فهمُ كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واستيحاء الوجهة النفسية منهما، مع الحذر من أن يكون في تصوُّراتنا النفسية ما يخالف القرآن والسنة، أو ما يقضي به القرآن والسنة في أمر (النفس) وما يتصل بها، ثم يتحرَّى ما جاء به أو ما أنجزه علماء الإسلام المنتهِجون سبيلَه من دراسات أو اتجاهات نفسيه، والمقصود بهؤلاء العلماء أولئك الذين لم يتأثَّروا بفلسفة تغاير الإسلام.


أما الذين تأثَّروا بالفكر اليوناني في تاريخ الإسلام من الذين قدَّموا دراسات أو آراء نفسية، فهم - وإن جانبهم الصوابُ في كثيرٍ مما قدموا - نستفيد من تراثهم في مجال المصطلحات، ونَزِن آراءهم بميزان الإسلام[10].


وبعدُ، فقد عزم الدكتور فهمي النجار أن يتناولَ بالدراسة والبحث آراء ابن تيمية (ت 728هـ) النفسية، فقد أحسن اختيار الموضوع؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية قمة في التزام الإسلام والاستقاء من الكتاب والسنة، وله آراء نفسية كثيرة ومتنوِّعة في تراثه الواسع، ونحن نعلم أيضًا أنه من أكثر أعلامنا تأليفًا، وقد تولى الإمام ابن القيم (ت 751هـ) استقراء كتبه وألَّف في ذلك رسالة، وكذلك الإمام ابن عبدالهادي[11] (ت 744هـ).


ولا أعلم أحدًا تصدَّى لاستقراء آراء ابن تيمية النفسية، نعم تناول الشيخ العلامة محمد أبو زهرة (ت 1394هـ) دراسةَ آراءِ ابن تيمية الفقهية، وتناول الشيخ مصطفى عبدالرازق (ت 1366هـ) إلمامةً بفكر ابن تيمية الفلسفي إجمالاً[12]، وبقي الميدان فارغًا لدراسة آراء ابن تيمية النفسية، مع الحاجة الماسَّة إلى الكشف عن هذه الآراء والأفكار لأسبابٍ كثيرة أشرنا فيما سبق إلى أهمِّها فيما ذكرناه من قبل.


وقد تناول مؤلِّفون الكشف عن آراء عددٍ من الأعلام في تاريخنا الإسلامي من الناحية النفسية[13]، ولكن بقي فكر ابن تيمية النفسي ينتظر مَن يكشف عنه، فندب الدكتور النجار نفسَه لهذا الأمر المهمِّ.


ومن الحقِّ أن نقول:

إن الدكتور النجار أهلٌ لهذا العمل العلمي المهم، لأسباب كثيرة ليس المجال متسعًا لذكرها وتفصيل القول فيها، وأشهد شهادة حق - إن شاء الله - أن الدكتور النجار أحسن اختيار الموضوع، وأحسن تناوله أيضًا بمنهجية علمية، فقد قرأ مظانَّ الآراء النفسية لابن تيمية من تراثه الضخم الزاخر، واستخرج منه في هذا الكتابِ آراءَ شيخ الإسلام في (العقل) وما يتصل به، وهذا أوَّل كتاب له في الموضوع، تتبعه كتب أخرى - بإذن الله - في موضوعات أخرى نفسية، حتى يستقيمَ لنا الاطِّلاع على عالَم النفس عند هذا الإمام الكبير.


ونلاحظ أنه يرجع إلى كتب ابن تيمية نفسِها لا إلى مراجع كتبت عن ابن تيمية من الناحية النفسية؛ لأن هذا هو المنهج الصحيح من جهة، ولأنه لا توجد كتب تصدَّت للكشف عن الفكر النفسي لشيخ الإسلام - رحمه الله.


والدكتور النجار بلسان حالِه يدعونا إلى الإفادة من هذا الكتاب، وإلى متابعة السير الجادِّ؛ ليقوم لنا بناء فكري نفسي سليم.


وأذكر بهذه المناسبة توجيهًا سليمًا لفَت نظرَنا إليه المفكِّرُ الإسلامي المعاصر وهو الأستاذ مالك بن نبي (ت 1393هـ) - رحمه الله - فهو ينبِّه على أن حل المشكلة التي تعترضُنا لا يكون بأمر واحد أو بعمل واحد، ولكنها تحلُّ بـ (شبكة من الأعمال) تؤدي بتضافرها إلى حل المشكلة.


فمن هذه الأعمال - مع الانتفاع بهذا الكتاب - تقويمُه تقويمًا علميًّا منهجيًّا عادلاً وموضوعيًّا، وتحرِّيه أعمالاً علمية أخرى تقضي بها (خريطة) أو (مخطَّط) بناء علم نفس إسلامي معاصر.


وإنا لنُحَيِّي الدكتور النجار على إنجازِه هذا، ونُحَيِّي أولئك النفر من الرَّعيل الأول الذين اتَّجهوا إلى أن علم النفس الشائع - أعني علم النفس الغربي - لا يزيدنا إلا خبالاً، وقد حاول مَن حاول من هذا الرَّعيل وضع لَبِنات لعلم النفس الإسلامي الجديد الذي نتطلع إليه.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرياض يوم الجمعة 18 من شوَّال 1424هـ

عبدالرحمن الباني

 


[1]وأجتزئ هنا وأقتصر على نماذجَ على سبيل المثال لاستنهاضِ الهمم، واستئناف السير في طريق الأجداد الذين استجابوا لربِّهم فأكرمهم الله: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20]:

أ- فابن الهيثم ت 430هـ - لا كبلر ت 1040هـ - ولا غيره مكتشفُ قوانين الضوء؛ (رَ: ابن الهيثم وكشوفه البصرية: مصطفى نظيف).

ب- وابن النفيس ت 687هـ - لا هارفي ت 1067هـ - مكتشف الدورة الدموية؛ (رَ: ابن النفيس: بول غليونجي).

ج- وابن الشاطر ت 777هـ - لا كوبرنيكوس ت 950هـ - مكتشف الحقائق الأساسية في الفلك والقوانين الفلكية؛ (رَ: الموسوعة العربية العالمية، ط 1، 14/20 - 21).

د- وابن وحشية ت 296هـ - لاشامبليون ت 1247هـ - هو الكاشف عن الرموز الهيروغليفية المؤدِّية إلى فكِّ رموز حجر رشيد؛ (رَ: علم التعمية واستخراج المعمَّى عند العرب د. محمد مراياتي، ومحمد حسَّان الطيَّان، ويحيى مير علم، 1/58، 2/391 وغيرهما).

هـ- وابن خلدون ت 808هـ - لا أوغُسْت كونت ت 1274هـ، ولا دوركهايم ت 1335هـ - مؤسِّس علم الاجتماع؛ (رَ: عبدالرحمن بن خلدون: علي عبدالواحد وافي).

و- والجوهري صاحب معجم الصحاح ت 393هـ، وعباس بن فرناس ت 274هـ هما أوَّل مَن حاول الطيران؛ (رَ: الأعلام: للزركلي ط 4...).

ز- والرازي ت 311هـ هو مؤسِّس علم طب الأطفال؛ (رَ: تاريخ طب الأطفال عند العرب: د. محمود الحاج قاسم محمد، ط2، ورسالة الرازي في طب الأطفال، ترجمة د. محمود الحاج قاسم محمد عن الإنجليزية، ضمن دوريات المؤتمر القطري للطفولة، بغداد، 1979م)، ترجمت رسالة الرازي إلى اللاتينية ثم إلى الإنجليزية، وفُقِد أصلها العربي.

ح- والإمام الغزالي ت 505هـ - لا بافلوف ت 1355هـ - مكتشف الفعل المنعكس الشرطي؛ (رَ: نظرية الفعل المنعكس الشرطي عند الغزالي، د. فائز محمد علي الحاج ضمن أعمال ندوة علم النفس والإسلام، جامعة الملك سعود، 1398هـ - 1978م).

ط- وابن يونس ت 399هـ هو المكتشف لقانون النَّواس البندول، وهو أيضًا المخترع له في مجال استعماله، لا غاليليو الإيطالي ت 1052هـ؛ (رَ: تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، قدري حافظ طوقات، ط 3، دار القلم، القاهرة، 1382هـ - 1963م، ص 275 - 281، وكتاب مدخل إلى تاريخ العلم: لجورج سارطون - باللغة الإنجليزية [في مواضع منه]).

Introduction To The History of Science By: Gorge Sarton.

[2] من السنة 92هـ الثانية والتسعين للهجرة حتى السنة 897هـ.

[3] بين الثقافتين الغربية والإسلامية: محمد المبارك، دار الفكر، دمشق، ط 1400، اهـ/1980م. ص 99 - 100، وانظر: الإسلام والتيارات الفكرية العالمية، محمد المبارك، دار القلم: دمشق 1419هـ/1998م.

[4] نحيل القارئ الكريم إلى مرجعينِ - من مراجع كثيرة - في موضوع العلمانية: أحدهما الفصل الخاص بها في كتاب مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب ص 445 - 499، والآخر كتاب العلمانية: لسفر الحوَالي، وقد أصدر ملخَّصًا لهذا الكتاب.

[5] مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب، ط1، دار الشروق، 1403هـ/1983م، ص 445.

[6] رَ: معالم تاريخ الإنسانية؛ تأليف هـ.ج. ولز، تعريب عبدالعزيز توفيق جاويد، لجنة التأليف والنشر، القاهرة، 1952م، ومن أفضل المراجع في تاريخ النصرانية وتطوراتها، كتاب محاضرات في النصرانية: تأليف محمد أبو زهرة.

[7] رَ: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: أبو الحسن الندوي، دار القلم بدمشق، 1420هـ/ 1999م، ص 182 وما بعدها.

[8] أقصوصة الحمير التي كانت محمَّلة بأثقال من الصوف تنوء بحملها، فرأت طائفةً من الحمير اتَّخذت طريقها في النهر وخرجت منه نَشِطة قد زالت الأثقال عنها، فخاضت في النهر لتخفَّ أثقالها، فزادت الأثقال أضعاف ما كانت عليه، ولم ترَ تلك الحمير المقلِّدة تقليدًا أعمى أن الحمير التي قلدتها كانت محمَّلة بالملح!

[9] رَ: ص 17، و ص 18 من هذا الكتاب: العقل عند شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية.

[10] ذكر المربِّي الكبير الدكتور عبدالرحمن بن عبدالرحمن النقيب أنه كان ألَّف كتابًا في آراء ابن سينا التربوية، ولكن كان فاته أن يزنها بميزان الإسلام، وأنه إذا أعدَّه لطبعة جديدة، فإنه سيضيف عليه فصلاً يتناول فيه هذا الأمر المنهجي المهم.

[11] في كتابه العقود الدرِّيَّة في مناقب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، وهو مطبوع.

[12] في كتاب: خمسة من أعلام الفكر الإسلامي.

[13] من هؤلاء: د. محمد شحاتة ربيع، الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كتابه: التراث النفسي عند علماء المسلمين، ط 2، 1995م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عوامل العبقرية عند الإمام ابن تيمية
  • الجوانب العملية في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
  • قراءة في كتاب: الدراسات النفسية عند الإمام ابن تيمية ( العقل عند شيخ الإسلام ابن تيمية .. )
  • المنهج النفسي عند شارل مورون

مختارات من الشبكة

  • كتاب تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تقدمة لكتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تقدمة المعرفة بكتاب الجرح والتعديل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التقادم بين الفقه والقانون: نظام الأحوال الشخصية الجديد أنموذجا (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تقدمت سني في انتظار الحلال(استشارة - الاستشارات)
  • تقدمت لخطبة فتاة لكن والدها يرفضني(استشارة - الاستشارات)
  • تقدمت لخطبة فتاة ورفضتني(استشارة - الاستشارات)
  • تقدمت لفتاة أكثر مني علما ولكني متردد(استشارة - الاستشارات)
  • تقدمت لفتاة رفضتني(استشارة - الاستشارات)
  • حلمت أني تقدمت لخطبة فتاة ورفض والدها(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب